يحلّل خالد عظيم التحول الجاري في السعودية مع اقتراب الذكرى العاشرة لإطلاق رؤية 2030، ويصف لحظة تتقاطع فيها السياسة بالاقتصاد والتكنولوجيا، بعد لقاءات جمعت القيادة السعودية بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وأثمرت التزامات استثمارية ضخمة ونقل تقنيات متقدمة تشمل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للبيانات والطاقة والتكنولوجيا النووية المدنية، ما يوحي بأن المستقبل يصل دفعة واحدة لا على جرعات هادئة.

 

ويعرض أتلانتيك كاونسل في هذا السياق سؤالاً محورياً: هل تستطيع السعودية أن تكون في مستورداً ومصدّراً لرأس المال والتكنولوجيا والطاقة والأفكار والموهبة في آن واحد، مع تحقيق عوائد مالية تراكمية وبناء مجتمع مستدام؟ ويذكّر بأن رؤية 2030 قامت على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع نابض بالحياة، واقتصاد مزدهر، وأمة طموحة، مع تعهد جريء بفك الارتباط عن الاعتماد المفرط على الهيدروكربونات وبناء اقتصاد أكثر مرونة وابتكاراً وعدالة.

 

تحولات اقتصادية وهيكلية متسارعة

 

تسجّل المؤشرات تطوراً ملموساً رغم استمرار التحديات. تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى نمو الناتج المحلي غير النفطي الحقيقي بنسبة 4.5% في 2024، مدفوعاً بقطاعات التجزئة والضيافة والبناء، فيما بات الاقتصاد غير النفطي يشكّل نحو 76% من إجمالي الناتج المحلي بعد إعادة احتساب الأساس، ما يعكس تحولاً هيكلياً عميقاً. وتبرز مشاركة النساء اقتصادياً كقفزة لافتة، إذ ارتفعت نسبة مشاركتهن في القوى العاملة من 17.4% عام 2017 إلى قرابة 36% في الربع الأول من 2023، معززة بإصلاحات الرؤية.

 

لكن تظل الحاجة قائمة لتعزيز ثقافة تقبّل المخاطر ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بوصفها محرّك خلق الوظائف، إلى جانب تطوير سوق رأس المال وتحسين الشفافية وانتظام التقارير المالية وسيادة القانون، وهي شروط أساسية لجذب استثمارات خاصة مستدامة على نطاق واسع.

 

اقتصاد المعرفة والاستثمار التقني

 

تواصل السعودية النمو في 2024 بنسبة 1.3% رغم تقلبات عالمية، ويقود النشاط غير النفطي الوتيرة، إذ نما 4.3%، بينما تسارعت وتيرة الاقتصاد الرقمي ليبلغ إسهامه 15.6% من الناتج المحلي وفق الهيئة العامة للإحصاء. ويصعد السياحة كمساهم غير نفطي رئيس، مع استهداف 10% من الناتج المحلي و1.6 مليون وظيفة بحلول 2030.

 

ويتشكّل الطور التالي للنمو حول صناعات المعرفة والتكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي والتقنية المالية والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتقدمة والحوسبة عالية الأداء. وتستفيد المملكة من مزايا تنافسية تشمل طاقة منخفضة التكلفة واحتياطيات رأسمالية كبيرة وأراضي صناعية وفيرة وبيئة تنظيمية تتحسّن لجذب المستثمرين الأجانب، ما يسرّع نقل المعرفة عبر شراكات بحثية ومشاريع مشتركة.

 

ويبرز إعلان إيلون ماسك عن إنشاء مركز بيانات ضخم لشركة xAI بالشراكة مع شركة “هيومن” السعودية، بطاقة تصل إلى 500 ميجاواط، كأكبر منشأة للشركة خارج الولايات المتحدة، بالتوازي مع خطط بلاكستون لتطوير مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع AirTrunk المدعومة من بلاكستون وباستخدام رقائق إنفيديا. وعلى المسار المعاكس، سبق أن التزم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ 20 مليار دولار في صندوق بنية تحتية تديره بلاكستون عام 2017.

 

رياح مالية معاكسة ورأس مال بشري حاسم

 

تفرض المالية العامة توازناً دقيقاً بين إيرادات جديدة مثل الضرائب غير النفطية واستمرار العجز المتأثر بتقلبات أسعار النفط وحساسية خفض الإنفاق. وترفع التقديرات عجز 2025 بنحو 3% من الناتج المحلي وفق صندوق النقد، بينما يقدّر جيه بي مورجان سعر التعادل المالي للنفط بنحو 98 دولاراً للبرميل، ما يبرز فجوة تمويل في ظل توسّع المشاريع العملاقة مثل نيوم، التي تواجه تحديات تأخير وقابلية توسع ومخاطر تنفيذ.

 

ورغم متانة التصنيفات الائتمانية، تتداول الديون السيادية السعودية بخصم مقارنة بنظرائها من الفئة “A”، مع تأثير محدودية الإدراج في مؤشرات السندات الكبرى على تكلفة الاقتراض. ومع ذلك، ينطلق الاقتصاد من قاعدة قوية: دين حكومي منخفض نسبياً، ووصول متين إلى أسواق رأس المال، واستقرار نقدي مدعوم بربط الريال بالدولار.

 

في قلب المعادلة يقف رأس المال البشري. يشكّل الشباب تحت 35 عاماً نحو 70% من المواطنين، وتحتاج هذه الكتلة إلى مهارات وفرص ومعنى. تتقدم مشاركة النساء، لكن توسّع الوصول العادل إلى الوظائف والتمويل والدعم المؤسسي يظل ضرورياً. وتبرز فجوات مهارية في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وسلاسل الكتل والتقنية المالية والطاقة المتقدمة، ما يستدعي برامج تدريب مهني وتعلّم تطبيقي وشراكات مع أصحاب العمل.

 

على المدى الأبعد، يتعيّن تطوير التعليم الأساسي والثانوي لبناء عقلية تنافسية تجمع بين الإتقان والخيال والمرونة. ويقترح الكاتب بطاقة وطنية لقياس المواهب تتبع مؤشرات مثل مخرجات التوظيف ومشاركة النساء في التكنولوجيا وبقاء الشركات الصغيرة وعدد براءات الاختراع لكل 100 ألف نسمة، ونشرها سنوياً لتعزيز ثقة المستثمرين وإشراك المواطنين في مسار التقدم.

 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/saudi-arabias-next-horizon-building-human-capital-beyond-vision-2030/